الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم كولومبي يتحصّل على جائزة لجنة التحكيم في قسم "نظرة ما": "شاعر" ببساطة

نشر في  27 ماي 2025  (11:45)

 بقلم الناقد السينمائي طاهر الشيخاوي

سيمون ميسا سوتو Simón Mesa Soto (لنتذكر هذا الإسم)، سينمائي كولومبي من مواليد 1996 كان قد فاز شريطه القصير لايدي  Leidi بمهرجان كان سنة 2014 بالسعفة الذهبية، ورجع بشريط قصير ثان، "أمّ" Mère  في المسابقة الرسمية سنة 2016 ثم عُرض شريطه الطويل الأول، "أمبارو" Amparo سنة 2021 في قسم "أسبوع النقاد".

قدِم للدورة 78 لمهرجان كان السينمائي بشريط طويل ثان، "شاعر" في قسم "نظرة ما" وتحصّل على جائزة لجنة التحكيم. اوسكار Oscar الشخصية الرئيسية، شاعر ذاع صيته سابقا لمّا تحصل على جائزة أفضل شاعر. اليوم لا تختلف حاله على حال من لا بيت له، شارد في الشوارع، مدمن على الخمر. لم تعد عائلته ترغب في العيش معه، فارقته زوجته، حتى ابنته نفرت عنه ومنعته من ملاقاتها أمام المعهد حيث تزاول دراستها كي لا يراه رفاقُها صحبته. تسوّل عطفَها  بدون جدوى. يجوب الشوارع ليلا غاضبا، ساخطا، في حالة يرثى لها. قبِل أخيرا تحت الضغط أن يشتغل كأستاذ في مدرسة اعدادية عساه ينال من ذويه شيئا من الاهتمام.

شاءت الصدفة أن يكتشف لدى واحدة من تلامذته في سنّ ابنته موهبةً في الكتابة. شجّعها ورغب في دفعها إلى المشاركة في مسابقة شعرية. المراهقة من وسط شعبي لا تبالي بالشهرة، همّها الوحيد تحسين وضعها المادّي. تجري الأحداث بما لا يشتهيها صاحبنا بل يجد نفسه في ورطة أخلاقية بسبب تصرف الفتاة ليلة الحفل الشعري. شربت من الخمر كميّة لم تقرأ لها حسابا. تلخيص الفيلم هذا قد يوحي بأن العمل مصاغ بأسلوب واقعي اجتماعي أو رومنسي. إلاّ أننا على النقيض من ذلك تماما.

أوّلا تفتقد الشخصيّة كل علامات الأناقة أو، في هذه الحال، ما تبقى من الأناقة التي نعتقد أنها تميّز الشاعر. في خلقته  وفي هندامه وفي تصرّفه وحتى في ملامحه المجرّدة تماما من أيّ شكل من أشكال الفطنة والذكاء. معتوه تماما وكمالا. يحدث أحيانا أن يقرأ شيئا من الشعر ولكن كلامه خال من كياسة الشعراء والأدباء.

أما التصوير السينمائي فلا يقلّ بساطة على بورتري الشخصية. هناك رغبة واضحة في تجنب المؤثرات البصرية والصوتية التي تصاحب مثل هذه المواضيع. فالسخرية قائمة ودائمة في كلّ مستويات الفيلم، في كياسة معكوسة، منطوية تحت أغلفة الخطاب السينمائي المعهودة والتي تكاد تكون طبيعية، التي نعتقد أنّها كامنة في الفنّ السابع. ماذا بقي اذن؟ بقي الأساسي، الإنسان، المجرّد من التكلف والتصنع، عار، خال من آداب العلم والمعرفة والثقافة، لا متوّحش وإنما انسان عادي، بسيط مكتف ببساطته، يعتقد أنه قادر على العيش كذلك. واستعمال معيار 16 مم دعّم ذلك التمشي. وهو فعلا تمشي، جهدٌ ومجهود، سلبي بالمعنى المنطقي، ولكنه إيجابي وثري بالمعنى الأنطولوجي والفكري. والجمالي في نهاية الأمر.